التضامن مع فلسطين بين الماضي و الحاضر

 

14509417389_487e842cb1_k

كان عددنا تقريبا الألف أغلينا لم يتجاوز سن الخامسة عشر، كنا ذوي أجساد صغيرة، ورغم ذلك كنا بعزيمة الرجال الأشداء، فالموقف لا يحتمل أن نميز ونقارن بين أحجامنا وقواتنا فالعزيمة هي الأهم.

الساعة كانت تشير إلى العاشرة صباحا، وهي اللحظة التي يحين فيها موعد الإستراحة الصباحية في مؤسستنا التعليمية .

كان الوضع جد عادي كل منا كان منشغلا بشيء ما، وفجأة انطلق صوت من وسط الساحة ينادي ” الله أكبر الله أكبر فلسطين في خطر” وبدأ يجتدبنا نحوه بدون شعور مرددين الهتاف ورائه، وفي ثواني قليلة كان العدد الكبير من التلاميذ الذي يقارب الألف يتجه نحو باب المؤسسة بخطوات صغيرة  وأصواتنا تملأ المكان في جو حماسي لم يستطع حتى المسؤولون في المؤسسة من ردعه، بل هو ما جعل الكثير منهم يقفون مندهشين من المنظر الرائع مؤيدين لها ولكن بينهم وبين أنفسهم.

استمررنا بالمسير إلى أن وصلنا إلى الباب، وتوجهنا بعده صوب مؤسسات أخرى في مدينتنا الصغيرة معلنين تضامننا مع إخواننا بفلسطين في انتفاضتهم الثانية سنة 2000، و ما هز كياننا في ذلك الوقت هو صورة محمد الدرة وهو يموت بين أحضان أبيه وأمام عدسات المصورين وهو مشهد أول مرة تبصره أعيننا. 

و الأن مرت 14 سنة، غزة تحت الحصار، و مشاهد القصف وصور الدماء في كل مكان تملأ الفضائيات و المواقع الإجتماعية و صفحات الحرائد، والمئات من المشاهد الأخرى الأكثر بشاعة من مشهد الدرة نراها في كل لحظة في سوريا و العراق … ولم يعد هناك شيئ يحرك فينا ساكنا، يبدو أننا ألفنا هذه المشاهد و أصبحت بالنسبة لنا جد عادية فكثرة الدم على وسائل الإعلام جعلت منه منظرا معهودا وليس بجدبد.

ولكن هماك جديد هذه المرة في هذه الحرب لم نألفه من قبل هو أن نسمع و نرى وسائل إعلام عربية تتكلم عن احتلال  يدافع عن نفسه.

 متى كان الظالم يدافع عن نفسه في وجه المظلوم ومتى كان الظلم أصلا مظلوما؟!

كل هذا يمكننا أن نتجاوزه بجرعة ماء لأننا تعودنا على أن الإعلام لا يمثل الشعب،  وما لا يمكن أن نتجاوزه هو حينما تسمع بعض الأصدقاء يتحدثون بنفس كلام الإعلام.

وهنا فقط تذكرت يوم لم يكن بأيدينا سوى الدعاء و الصراخ في ساحات المدارس كيف كنا لا ندخر جهدا في سبيل التعبير عن تضامننا، واليوم ونحن في عصر سهولة التعبير عبر المواقع الإجتماعية، والمنابر الإعلامية المختلفة التوجهات تراجعت حماستنا و تحولت إلى صمت في الأول، ثم تحول الصمت إلى تحول في الرأي.

 وهنا تبادرت إلى ذهني بعض التساؤلات التي لم أجد لها إجابات مقنعة وهي :

هل فعلا البروباغاندا التي يمارسها الإعلام أثرت في بعضنا وقتلت فيهم الحماسة للقضية الفليسطنية؟ أم أن كثرة مشاهدتنا للدم أماتت قلوبنا؟ أم أننا أصلا لم نكن يوما أوفياء للقضية وكنا مجرد منصهرين في روح الجماهير ولم نكن ذوي قناعات شخصية،  كما جاء في كتاب سيكولوجية الجماهير ”الكفاءات العقلية للبشر وفرادتهم الذاتية تُمحى وتذوب في الروح الجماعية، وهكذا يذوب المختلف في المؤتلف وتسيطر الصفات اللاواعية.”